بين الظلال والحقيقة قصة فاطمة ويوسف
دخلت فاطمة البيت، قعدة على الكرسي قدام التلفزيون، بس مفيش حاجة كانت بتشغل تفكيرها غير يوسف. يوسف اللي اتغير فجأة، يوسف اللي كان دايمًا بيضحك ويلعب معاها، وقرر يبعد عنها دلوقتي، زي مفيش حاجة كانت بيناتهم. واللي زاد الطين بلة، إنه كان بيتهرب من الرد على مكالماتها وكأنها مش موجودة في حياته.
أغمضت عينيها شوية، وحاولت تتنفس عميق، لكن التفكير في يوسف كان عمال يطاردها، كل حاجة حوالين البيت كانت تذكرها بيه. حتى الكلب اللي كانوا بيحبوه سوا، بقى لوحده.
وفجأة، سمعت صوت الباب يفتح. قلبها قفز لمعدتها. "يمكن ده هو، يمكن بقى جاي يشوفني"، فكرت فاطمة في نفسها، لكنها ملبستش على جري، ليه؟ عشان في حاجة في قلبها كانت بتقول إن يوسف مش هييجي كده بسهولة. مش هييجي بعد كل اللي حصل.
دخلت أمها من الباب، وبوجهها الجاد اللي مش بيضحك أبدًا. "إيه يا فاطمة، لسه قاعده عينيكي على الباب؟ لو لقيتي يوسف تعالي قوليلي."
فاطمة وقفت، وحاولت تضحك عشان تداري الحزن اللي جواها. "ماما، ما هو أنا مش عارفة أعمل إيه، هو فين يوسف؟ ليه بيبعد عني كده؟ مش فاهمة ليه كل حاجة اتغيرت بينا."
أمها وقفت قدامها، وشدت يدها بحنان، وقالت بصوت جاد: "يا بنتي، ساعات الدنيا بتقلب على الواحد، وبيبقى فيه حاجات لازم تقبليها. يوسف لو مش عايزك، خليكي قوية، احنا بنعتمد على ربنا في الأول وفي الآخر. مش كل حاجة هتفضل زي ما هي."
لكن الكلام ده ما كانش بيخلي فاطمة تحس بتحسن. كانت عاوزة تسمع كلمة مختلفة، كلمة بتقول إن يوسف راجع ليها وإنه مش هيسيبها لوحدها.
المشكلة إن فاطمة كانت مش قادرة تقدر تخلي يوسف يرد عليها، وكان فيه حاجة غريبة كده في قلبها بتقول لها إن في سر مش ظاهر، وإن يوسف مش طبيعي.
قررت فاطمة إنها مش هتستنى كتير. هي لازم تروح وتعرف الحقيقة بنفسها.
فاطمة قررت تروح وتشوف يوسف بنفسها. ما كانش عندها خيار تاني. قلبها كان مش قادر يستحمل، وهي عارفة إن الحياة مش هتوقف عشانها لو فضلت كده. لبست بسرعة وركبت العربية، على الرغم من إن عقلها كان مشوش، مش عارفة هل ده القرار الصح ولا لأ، بس مش هتقدر تظل قاعدة مستنية حاجات تيجي لوحدها. لازم تتصرف.
طوال الطريق، كان تفكيرها مشغول بيه. يوسف كان دايمًا بيقول ليها إن مفيش حاجة تقدر تفرقهم عن بعض، لكن دلوقتي كأن الدنيا اتقلبت عليهم في لحظة. فجأة، الدنيا كلها بقت مليانة شكوك وأسئلة بلا إجابة.
وصلت قدام بيته، وقفت العربية جنب الرصيف، وفضلت تبص على البيت من بعيد. الباب كان مفتوح، وكان يوسف جوه البيت أكيد، بس في حاجة غريبة، ما كانش فيه حد في الحديقة زي العادة. المكان كان هادي تمامًا، ومفيش حركة.
فاطمة نزلت من العربية، وفضلت تمشي بخطوات ثابتة، قلبها بيخبط في صدرها زي طبل في احتفالات. وصلت لمدخل البيت وقرعت الجرس.
بعد لحظات، فتح يوسف الباب. وشه كان شاحب، وعينيه مش زي ما هي كانت دايمًا، مش فيها الابتسامة اللي كانت بتطمن فاطمة. ولا هو كمان كان مرتاح، وكان واضح إنه مش عايز يتكلم.
"إزيك؟" قالت فاطمة وهي بتحاول تتكلم بأريحية، لكن صوتها كان مش ثابت.
يوسف سكت شوية، وبعدين قال بصوت هادي: "إنتي هنا ليه؟ كنتي لازم تسيبيني في حالي."
الكلمات دي ضربت فاطمة زي السهم في قلبها. مش قادره تصدق إن يوسف هو اللي بيقول كده. كان دايمًا الشخص اللي يحارب عشان يكون معاها. لكن دلوقتي، كأن كل حاجة اتغيرت.
"إزاي يعني؟ يوسف، إنت مش عارف أنا حاسة بإيه؟ مش قادره أعيش من غيرك. مش فاهمة ليه اختفيت كده، ومش قادره أفهم سر اللي بيحصل ده."
يوسف وقف مشدود، وبعدين بدأ يحرك يده في عصبية. "أنا مش عايز أشرحلك أي حاجة. فيه حاجات مش من حقك تعرفيها. وفيه حاجات لو عرفتيها، هتغير وجهة نظرك عني بشكل تاني. واللي حصل بيننا كان غلط. كل حاجة كانت غلط."
"غلط؟ يعني إيه؟ يوسف، احنا كنا بنحلم مع بعض. ازاي بقى كل ده يختفي في لحظة؟"
لكن يوسف لم يجاوب، ولا حتى حاول يوضح ليها حاجة. فاطمة كانت مش قادرة تحط رأسها في مكانه، ولا تقدر تفهمه.
أمسك يوسف الباب وقال بصوت أقوى: "فاطمة، بلاش تضغطي عليا. اللي حصل بينا انتهى. وكل اللي بينا لازم يبقى ذكرى بس. ما تعوديش تطرحي نفس الأسئلة دي تاني."
كان كلامه كالصاعقة عليها، لكن ما كانش عندها وقت تخلي كل ده يسيطر عليها. كانت متأكدة إن فيه سر كبير مش عايز يعترف بيه. لازم تكتشف الحقيقة.
فاطمة كانت مش قادرة تصدق اللي حصل، لكنها كانت عارفة إن الكلام ده مش كفاية عشان تسيب يوسف يختفي من حياتها. لسه كان فيه حاجة مش مظبوطة. مش ممكن تكون علاقته بيها انتهت كده، من غير أي تحذيرات أو إشارات.
بعد ما يوسف قفل الباب في وشها، فاطمة رجعت عربيّتها، وقلبها مش قادر يهدأ. كان ذهنها مليان شكوك وأفكار غير مرتبة. لو كان فيه شيء مخفي، هي لازم تكتشفه.
رجعت البيت لكن الليل ما كانش زي أي ليلة تانية. ما كانتش قادرة تنام، وكانت كل دقيقة بتمر كانت بتخليها تفكر في يوسف وكل حاجة بينهم. في دماغها، كانت تدور أفكار غريبة، وتخيلت مواقف مختلفة عن يوسف، يمكن كان في حاجة بتحصل في حياته، حاجة خلت كل شيء يتغير فجأة.
فاطمة قررت في اللحظة دي إنها مش هتقدر تسيب يوسف يروح كده. هي لازم تعرف الحكاية كلها. وقررت إنها مش هتوقف لحد ما تكتشف السر اللي كان يوسف بيخفيه عنها.
في الصباح، قررت تروح وتستفسر أكتر عن يوسف من أصحابه. كانت عارفة إن لو كان فيه حاجة غلط، أكيد هتلاقى جواب عندهم. وعشان كده، قررت إن أول حاجة هتعملها هي زيارة أقرب شخص ليه في حياته.
وصلت فاطمة إلى المكان اللي كانت عارفة إن يوسف بيتردد عليه، وهو مقهى صغير في حي بعيد عن الزحمة. كانت عارفة إن ده المكان اللي كان بيحبه يوسف، وكان دايمًا يقعد فيه مع صحابه.
دخلت المقهى ببطء، قلبها لسه بيخفق، وعينيها بتدور على أي شخص ممكن يساعدها. ولاحظت مجموعة من الناس قاعدين على طاولة في الزاوية. بينهم كان فيه شخص اسمه "أحمد"، صديق يوسف المقرب. لو حد يعرف حاجة، أكيد أحمد هيكون عنده فكرة.
قربت فاطمة من الطاولة، وقالت بصوت هادي: "أحمد، ممكن أكلمك شوية؟"
أحمد رفع عينه من على الموبايل وقال: "أيوه، فاطمة، إزيك؟ خير؟"
فاطمة جلست قدامه، وحاولت تحافظ على هدوءها. "أحمد، في حاجة مش طبيعية بتحصل مع يوسف، وهو مش عايز يكلمني. كل حاجة كانت بيننا اختفت فجأة. هل في حاجة حصلت؟"
أحمد وقع في صمت للحظة، وبعدها قال بصوت واطي: "أنتي مش لوحدك اللي حاسة كده. يوسف مش هو نفسه دلوقتي. في حاجات في حياته خلت الأمور تتغير."
فاطمة كانت مش قادرة تتحمل الكلام ده، وده كان بيأثر فيها أكتر من أي حاجة تانية. "يعني إيه؟ في حاجات في حياته؟ فين يوسف؟ ليه مش بيكلمني؟" قالت فاطمة، وصوتها كان فيه خليط من الحزن والغضب.
أحمد نظر ليها بجدية، وقال بصوت واطي: "اللي حصل مع يوسف أكبر من إنه يتقال بكلمتين. مش موضوع بسيط، وعشان كده هو حاول يبعد عن كل الناس، عشان ما حدش يتورط معاه."
فاطمة كانت مش قادرة تفهم، لكن فضلت تسأل: "إيه اللي حصل؟ لازم أعرف، أحمد."
أحمد أخذ نفسًا عميقًا، وقال: "يوسف دخل في مشروع كبير، بس الموضوع ده مش كان شفاف زي ما كان بيقول. اتورط في ناس مش كويسة، وأصلاً كانوا عايزين يستغلوا علاقاته لغاية ما وصلوا لأهدافهم. للأسف، يوسف كان مش فاهم اللعبة اللي دخل فيها."
فاطمة هزت راسها في صدمة، وعينيها مليانة تساؤلات. "يعني هو مش كان عارف؟ إزاي دخل في حاجة زي دي؟"
أحمد قال: "كان في البداية ماشي في طريق صح، لكن مع الوقت بدأ يشك في كل حاجة حواليه. الشخص اللي كان بيثق فيه في البداية، كان جزء من خطة كبيرة لا علاقة ليه بيها. والمشكلة إنهم دلوقتي عارفين كل شيء عن يوسف، وحاولوا يستغلوا نقط ضعفه."
فاطمة حسيت بغصة في قلبها. كل التفاصيل دي كانت أكتر من إنها تتحملها. يوسف كان الشخص اللي تعتبره الأساس في حياتها، وفجأة بيكتشف إنه مش الشخص اللي كانت تعرفه.
"أحمد، أنا مش قادرة أصدق كل ده. هو ليه مفيش حد قال لي؟ ليه ما حذرني؟" قالت فاطمة، والدموع كانت قريبة.
أحمد بصة ليها، وقال: "أنتي لازم تفهمي حاجة مهمة. يوسف كان عايز يحميك، عشان كده اختار يبقى بعيد عنك. هو مش عايزك تتورطي معاه في الحكاية دي، عشان هو عارف إن الأمور ممكن تتطور لحد ما توصل لمرحلة ما نقدرش نرجع منها."
فاطمة حسّت بحاجة كبيرة جواها، حاجة كانت بتأكل قلبها. كانت عارفة إنه كان بيحبها، لكن كان فيه حاجات أكبر من مجرد حبهم لبعض. كان فيه مأساة حقيقية بتحصل في حياة يوسف، وده خلاه يبتعد عشان يحميها.
"طيب، أحمد، يعني لو رحت له دلوقتي، هيقبلني؟" قالت فاطمة، وهي مش عارفة إذا كانت هتقدر تتحمل الألم ده كله.
أحمد بص ليها بحزن وقال: "أنا مش عارف، فاطمة. بس لو إنتي فعلاً عايزة تقف جنبه، لازم تكوني مستعدة لمواجهة الحاجات الصعبة. الأمور مش هتكون سهلة، ويمكن ما تلاقينهوش زي ما كنتي عارفة."
فاطمة ابتسمت بحزن، وقالت: "مفيش حاجة في الدنيا هتخليني أسيب يوسف. أنا هروح ليه، حتى لو كان فيه خطر. أنا لازم أكون معاه."
فاطمة قررت تروح يوسف في بيته من تاني. كان قلبها مليان أمل، لكن برضه كانت عارفة إن الطريق ده مش هكون سهل. مش هتقدر تسيب يوسف يضيع، خاصة بعد ما عرفت الحقيقة كلها.
وصلت قدام بيته مرة تانية، وقلوبها بتدق بشدة. خافت إنها مش هتقدر تلاقيه زي الأول، لكن عندها إيمان إن لو فيه فرصة لرجوع، هتكون دلوقتي.
قرعت الجرس، والباب اتفتح، وظهر يوسف واقف قدامها، لكن المرة دي كان شكله مختلف. شعره كان أطول شوية، وعينيه كانت مرهقة. شعر فاطمة بالخوف، لكنها حسمت قرارها: "أنا مش هسيبك لوحدك في الظروف دي، يوسف. أنا معاك."
يوسف سكت شوية، ونزل رأسه وقال: "فاطمة، أنا مش عايزك تشيلي عني الهم ده. الحكاية دي أكبر من إنك تفهميها."
فاطمة اقتربت منه وقالت: "أنا عارفة كل شيء. عارفه إنك مش لوحدك في ده، وإنك مش هتقدر تخرج لوحدك من اللي إنت فيه. أنا معاك مهما كان. احنا مع بعض."
يوسف نظر ليها في عيونها، وكان فيه لحظة من الصمت بينهما، لكن فجأة ابتسم ابتسامة صغيرة وقال: "أنتِ دايمًا كنتِ معايا في أصعب الأوقات، مش هقدر أنسى ده."
فاطمة حطت يدها على كتفه وقالت: "كل حاجة هتتصلح. مهمتك دلوقتي إنك تكون قوي علشاننا."
وكانت النهاية، لكن الطريق لسه طويل. كانت البداية لرحلة جديدة، رحلة مليانة تحديات، لكن مع بعض، كانوا مستعدين يواجهوا أي حاجة. لأن الحب، في النهاية، هو اللي بيخلي كل شيء ممكن.