صوت من وراء الدولاب
وقفت مكاني وأنا مش مصدقة اللي شايفاه.. حماتي قاعدة في وسط الأوضة، عينيها مفتوحة على آخرها وبتبص ناحية الدولاب، بس الغريب إنها كانت بتتكلم بصوت مش صوتها، صوت غليظ ومرعب كأنها راجل بيهمس بكلام غريب، وكأنها بتكلم حد مش شايفاه..
قلبي دق بسرعة وحسيت بجسمي كله بيتخدر، ومع ذلك قربت خطوة صغيرة ناحية باب الأوضة، وحاولت أسمع الكلام اللي بتقوله، لكن كان كله كلام غريب، مش عربي، ولا حتى أي لغة سمعت عنها قبل كده.. كان أقرب للتمتمة، واللي زاد رعبي إنها كانت بترد على صوت تاني.. صوت كأنه طالع من جوا الدولاب.
رجعت لورا بسرعة، وكدت أقع من الرعب، لكن مسكت نفسي وقعدت أقول "ده أكيد توهم، أكيد دي أوهام، يمكن بتقرأ قرآن بصوت واطي.. يمكن.." بس قلبي كان بيقول حاجة تانية، كان بيقول إن اللي بيحصل ده مش طبيعي أبدًا!
دخلت أوضتي بسرعة وقعدت على السرير وأنا بحاول أفهم اللي بيحصل.. هل حماتي عندها مرض نفسي؟ هل بتتعامل مع الجن؟ ولا دي مجرد تخاريف ست كبيرة تعبانة؟ لكن اللي سمعته ماكانش عادي.. كان واضح إنها بتكلم حد، وحد مش موجود!
قعدت أفكر.. أكلم جوزي وأقوله؟ لأ، أكيد مش هيسيب شغله عشان حاجة ممكن تبقى أوهام.. وبعدين هو واثق فيا، وعارف إني مش هتخيل حاجة زي دي من فراغ.. بس برضه، مش هقدر أبلغه بحاجة أنا نفسي مش متأكدة منها.
فضلت قعدة في الأوضة لحد ما سمعت بابها بيتفتح.. طلعت بسرعة وبصيت عليها، لقيتها واقفة عادي، وشها شاحب شوية، لكنها مبتسمة ليا وقالت بصوت هادي:
"معلش يا بنتي، شكلك خوفتِ من صوتي وأنا بكلم نفسي.. ما تخديش في بالك، حاجات كده الستات الكبار بيتعودوا عليها لما يعجزوا."
هززت راسي بابتسامة باهتة، لكن جوايا كان في حاجة بتصرخ "كذب!".. اللي سمعته ماكانش كلام حد بيكلم نفسه، دي كانت محادثة كاملة، بين طرفين!
عدى اليوم وأنا بتجنب التفكير في اللي حصل.. حاولت أشغل نفسي بأي حاجة، المطبخ، تنظيف البيت، أي حاجة تبعد عني الإحساس المرعب اللي كان ماسك في قلبي.
لكن الليل كان حكاية تانية..
وأنا نايمة حسيت بحركة غريبة في الأوضة.. فتحت عيني بشويش، ولقيت الباب بيتفتح بالراحة، وبصعوبة قدرت أشوف من ضوء الشارع اللي داخل من الشباك.
كانت حماتي!
واقفة عند الباب، ووشها نصه في الضلمة، وعنيها بتبرق بشكل مرعب، كانت بتبص عليا بس من غير ما تتحرك.. كأنها تمثال!
حسيت بجسمي بيتجمد، ونفسي بيتحبس، لكن حاولت أتصرف بهدوء وقلت بصوت مهزوز:
"حماتي؟ حضرتك محتاجة حاجة؟"
ما ردتش..
فضلت واقفة كده، بصتني كأنها مش عارفة أنا مين، وكأنها شخص تاني غير الست اللي عرفتها..
فضلت أبص عليها وأنا مش قادرة أتحرك، لحد ما فجأة..
سمعتها تهمس بصوت خشن، نفس الصوت اللي سمعته الصبح:
"ما تخافيش.. الدور جاي عليكي.."
حسيت بقلبي هيقف، وصرخت بأعلى صوتي: "جووووووووزي!"
في لحظة، جوزي كان واقف جنبي وبيشغل النور، بس لما بصينا ناحية الباب..
ماكانش فيه حد!
فضلت عيوني مفتوحة ومصدومة.. مستحيل! أنا شفتها.. شفتها بعيوني هنا، عند الباب!
جوزي بص لي بقلق وقال: "مالك يا حبيبتي، بتحلمي ولا إيه؟"
فضلت سكتة، مش قادرة أتكلم.. هل فعلاً كنت بحلم؟ مستحيل.. كنت شايفة كل حاجة بوضوح..
في اللحظة دي، سمعت صوت باب أوضة حماتي بيتقفل..
حسيت بجسمي بيتجمد، عرفت إنها كانت هنا، وعرفت إن اللي شوفته كان حقيقي..
بس السؤال هو: مين اللي شفته بالضبط؟
فضلت الأيام اللي بعدها أراقب تصرفات حماتي، كل مرة كنت بحس إنها مش الشخص اللي عرفته في الأول، كانت بتتصرف بطريقة غريبة، كأنها شخصين في جسد واحد.
وفي ليلة من الليالي، قررت أصحي في نص الليل وأدخل أوضتها من غير ما تحس..
فتحت الباب ببطء، ولقيتها قاعدة في نص السرير، عينيها مفتوحة على الآخر، وبتبص للسقف وكأنها شايفة حاجة هناك..
قربت منها وأنا بكتم أنفاسي، لكن قبل ما أوصل، سمعتها بتقول بصوت متغير:
"مش وقتها.. خليها شوية كمان.."
قلبي وقع في رجلي.. هي بتكلم مين؟!
خطوة لورا، وسمعت الأرضية تزيق تحت رجلي، في اللحظة دي.. عينيها اتحولت ناحيتي بسرعة غير طبيعية، وابتسمت ابتسامة باردة، وقالت:
"إنتي بتعملي إيه هنا يا حبيبتي؟"
حسيت برجليا بتترعش، وحاولت أرد بصوت ثابت: "كنت جاية أطمن عليكي.."
ابتسمت أكتر وقالت: "متخافيش.. دورك لسه مجاش.." ثم غمضت عينيها كأنها نامت فجأة!
جريت من أوضتها وأنا مش قادرة أتنفس، دخلت أوضتي وقفلت الباب وراه بالمفتاح، قعدت على الأرض وأنا بحاول أهدى، لكن فكرة واحدة كانت مسيطرة عليا..
حماتي مش إنسانة عادية!
وفجأة، وأنا قاعدة على الأرض، سمعت صوت خبط خفيف على الباب..
ثم صوت همس من وراه:
"افتحي.. أنا عارفة إنك خايفة.. بس مش هينفع تهربي.."
قفزت من مكاني وأنا مش قادرة أصدق إن الصوت ده جاي من الباب. قلبي كان بيدق بقوة لدرجة إنني حسيت إنني هفقد وعيي. جلست مستندة على الجدار، مش قادرة أتحرك ولا حتى أتنفس. الصوت كان واضحاً، كأنه بيهمس في أذني، لكن غريب، مش زي الصوت اللي سمعته قبل كده.
"افتحي... أنا عارفة إنك خايفة... بس مش هينفع تهربي..." كرر الصوت بصوت أكثر عمقاً، كأنه بيستمتع بخوفها.
مكنتش قادرة أتحمل الوضع أكثر من كده. سحبت نفسي ببطء نحو الباب، يدي كانت بترتجف من الرعب، لكن كان عندي إحساس قوي إنني لو ما فتحتش، الحاجة دي هتظل مستمرة. أخذت نفساً عميقاً وحاولت أتماسك.
فتحت الباب ببطء، ولكن لقيت نفسي في مواجهة ظلام تام. مفيش حد قدامي، ولا حتى ظل لحركة حماتي. كان الهدوء عجيب، وكأن الدنيا توقفت للحظة. نظرت حولي، والشعور بالخوف كان يتسرب إلى داخلي.
وبينما أنا واقفة في حيرة، سمعت الصوت تاني، لكن هذه المرة من ورائي... كانت حماتي، ولكن صوتها كان مختلف جداً، كأنها مش هي.
"قلت لك إنك مش هتهربي..." همست بنفس الصوت العميق، وكان الجو كله ثقيل برعب غير طبيعي.
هزتني قشعريرة شديدة وأنا التفت بسرعة، لقيتها واقفة وراءي، عينيها مش طبيعية، كانت مشبعة بالشر. ابتسمت ابتسامة مرعبة وقالت:
"اللحظة دي... هي لحظة انتقالك."
وقبل ما أقدر أتصرف، شعرت بشيء ثقيل بيضغط على صدري، وكأنني دخلت في عالم تاني.
كان كل شيء حولي داكنًا، وضغط شديد كان بيملأ صدري لدرجة إني ما قدرتش أتنفس. ابتسمت حماتي ابتسامة باردة، كانت عينيها غير طبيعية، مفيش فيها أي ملامح إنسانية. الصوت الخشن اللي كانت بتكلمه بدأ يعلو، وكأنها بتتمتم بأسماء غريبة. جسمي كله كان بيتنفض، وقلبي كان بيدق بسرعة رهيبة.
"إنتي مش هتقدري تهربي... خلاص... إنتي دخلتي في عالم تاني"، قالت وهي بتبتسم.
شعرت بشيء غريب بيحصل في داخلي، كأنني مش في جسدي، كأنني بتسحب بعيد عن الواقع. وكلما حاولت أصرخ، الصوت مش طالع، وكأن حلقي مسدود. كانت الحماتي واقفة قدامي، لكن مش هي. حسيت وكأن في شخص تاني في جسدها، وكان بيتمثل قدامي بشكل مرعب.
كنت على وشك أن أغشى، لكن فجأة شعرت بشيء بارد جدًا بيقرب من قلبي، وسماع صوت غريب جدًا، كأنه صوت جرس قديم بيصدر من مكان بعيد. لقيت حماتي بتتحرك ناحية الدولاب، عينيها مشغولة بحاجة مش واضحة، وتكمل التمتمة الغريبة.
في اللحظة دي، كل شيء وقف. الجو بقى هادي بشكل مفاجئ، وعيني حماتي رجعت لطبيعتها، كأن شيء غريب شال منها. وقفت مكانها، ووجهها رجع لوضعه الطبيعي. قالت بصوت هادي، وكأن ما فيش حاجة حصلت:
"كنت بامتحنك، يا حبيبتي، عشان تأكدي إنتي عايزة إيه..."