بين الحلم والواقع رحلة داخل الظلام
هو بصلي بعيون واسعة وقال بصوت منخفض:
=إزاي فهمتي الكلام ده؟
أنا ضحكت بصوت مكتوم، وقلت:
_أنا مش غبية، وبتعلم الإنجليزي عشان أقدر أواجه أمثالك.
هو اتكتف بإيديه وابتسم ابتسامة صغيرة كأنه مستفز أكتر، وقال:
=تمام، بس خلي بالك، حياتك هنا مش هتكون سهلة.
وبدأت أحس بشوية ضغط من كلامه، بس في نفس الوقت حسيت إني لازم أواجهه، لأني مش هسمح لحد يتعامل معايا بالطريقة دي. قعدنا نتكلم شوية عن الموضوع اللي كان جاي علشانه، وكل شوية يحاول يوجعني بكلامه البارد، بس أنا كنت بسكت وباكتفي بابتسامات خفيفة عشان مش عايزة أزيد النار اشتعال.
بعد ما خلصنا من الموضوع، مشينا مع بعض وركبنا العربية، وأنا مش قادرة أتحمل الضغط اللي جوايا، وكل ما بصيتله، حسيت إنه مش الشخص اللي كان مفروض أتجوزه، لكن كنت مجبرة أواجه حياتي الجديدة.
وصلنا للبيت، وأنا مش قادره أصدق إني في الموقف ده. مش مصدقة إني دخلت حياة جديدة، وبالذات مع شخص زي ده. حاسه إن كل خطوة من خطواتي بتعني حاجة أكبر وأكبر في حياتي، مش بس بالنسبة لي، ولكن كمان بالنسبة له. هو مش شخص عادي، وأنا مش عايزة أكون مجرد واحدة عادية في حياته.
أول ما دخلنا البيت، هو اتجه ناحية الأوضة بتاعته بسرعة، وأنا مشيت في اتجاه المطبخ عشان أحاول أهدي أعصابي. حسيت بأني مش قادرة أتعامل مع الموقف ده زي ما هو عايز. هو دخل الأوضة، وأنا بدأت أشتغل في المطبخ، يمكن على الأقل ده يشغلني عن التفكير في اللي حصل.
لكن ما كانش فيه فايدة. كان دماغي مليانة أفكار متناقضة. مرة بفكر إني أتركه، ومرة تانية بفكر إني أكمل وأحاول أتعامل مع الوضع، لكن في كل مرة كنت أرجع لنفس النقطة. هعيش مع شخص ما بحبهوش، في حياتي ما كنت أتخيلها تكون كده. لكن بما إني مش قادرة أغير الوضع دلوقتي، لازم أتعلم إزاي أتعامل معاه.
فضلت في المطبخ لفترة، وقلبي بيزيد وجع مع كل دقيقة. عايز أصرخ، أعيط، لكن كنت أقول لنفسي: “مفيش فايدة، خليني أكون قوية.” لما خلصت من شغلي، قررت إني أروح الأوضة وأحاول أرتاح شوية. لقيته واقف قدام باب الأوضة بتاعته، بملامحه الباردة، زي ما هو دايمًا.
هو نظر لي من غير ما يتكلم، وأنا ما كنتش قادره أفتح بقِي. كانت النظرة دي مش كافية عشان أفهمه. كنت حاسة إنه مش بيفهمني، وإنه مش حاسس بيا. هو مش مهتم بمشاعري، مش مهتم بأي حاجة.
وصلت قدامه، لكنه لم يتحرك، هو كأن الدنيا كلها مش مهمة بالنسبة له غير شغله، حياته، وقراراته. وكل ما حاولت أتكلم، لقيت نفسي بترجع تاني، مش قادرة أقول حاجة. ما كنتش عايزة أكون كائن ضعيف في حياته، بس هو ما كانش بيسمعني.
مشيت في اتجاه الأوضة، وكل خطوة كانت بتجذبني أكتر لداخل المكان المظلم. يمكن هو ما كانش عارف قد إيه أنا متوترة. مش عارفة حتى إذا كان حاسس بأي حاجة. كل يوم بيعدي، كنت بحس إني بتلاشى ببطء.
لكن فجأة، لقيته دخل الأوضة من ورائي، وقال لي بصوت هادي:
=إنتي ليه مش عايزة تكلمي؟ ليه ساكتة كده؟
كنت على وشك الرد، لكن ما قدرتش. لقيت نفسي مش قادرة أفتح بقِي، فحاولت أبتسم، لكن كانت ابتسامتي باهتة، مش حقيقية.
أنا مش عارفة أعمل إيه. فكرت في كلام ماما، كانت دايمًا تقول لي: "الزواج مش سهل، مش مجرد قصة حب، ده شراكة، تضحيات." لكن هل ده فعلاً كان شراكة؟ هل هو قادر يتخلى عن تعاليه وكبرياءه ويتعامل معايا كإنسان؟ مش عارفة.
هو قعد جنبي على السرير، وقال بصوت هادي:
=أنا عارف إنك مش مبسوطة، بس ده اللي إحنا مضيناه. إنتي عارفة إني مش عايز أظلمك، بس أنا كمان عندي حدود.
أنا بصيت له، وقلت في نفسي: "إيه ده؟ هو فاكر نفسه فين؟"
لكن قلت بصوت هادي:
_يعني إيه؟ يعني مش هنقدر نغير حاجة؟ هنفضل كده طول العمر؟
هو سكت شوية، وبص في الأرض، وقال:
=الحياة مش دايمًا هتكون زي ما إحنا عايزينها، أوقات لازم نتكيف مع الظروف.
حسيت إنه بيحاول يبرر موقفه، لكن أنا كنت مش قادرة أستوعب الكلام ده. مش قادره أقبل فكرة إنه هو عايزني أتكيف مع الوضع ده. مش لاقيه نفسي في الحياة دي، وأنا كل ما بفكر في المستقبل، بلاحظ إن كل شيء بيبان ليه أكثر صعوبة.
أنا مش شايفه إن ده هو الأفضل لي. ما كنتش عايزة حياة كده. في قلبي كان فيه رغبة قوية في الهروب، لكن كان فيه جزء مني بيقول: "أنتي لازم تعيشي هذه اللحظة."
قمت من السرير وقلت له:
_أنا هخرج شوية.
هو مشي وراء ووقف قدامي، وقال:
=إنتي مش هتروحِ لحد دلوقتي.
_أنا مش هروح لأي حد. هخرج بس علشان أفكر.
هو سكت شوية، وبعدين قال:
=تمام. لو حسيتي إنك عايزة تتكلمي، أنا موجود.
لكن أنا ما كنتش عايزة أتكلم. مش قادرة. الدنيا كلها حوالي كانت ضبابية، مش قادرة أشوف حاجة واضحة. خرجت من الأوضة بسرعة، وروحت الحديقة. جلست على الكرسي وأغمضت عيني. جالي شعور عجيب، خليط من الغضب والحزن والضياع.
في اللحظة دي، قررت إني مش هبقى أسيرة للمشاعر دي. لازم أكون قوية أكتر من كده. لازم أقرر مستقبلي بنفسي، مش هأنتظر حد يقررلي.
بعد شوية، رجعت للبيت، لقيته في الصالون قاعد لوحده. هو شافني دخلت، لكنه مش قال حاجة، وبص لي من غير ما يتكلم.
أنا قررت في اللحظة دي إني هبقى قوية. مش هسمح له يسيطر على حياتي أكتر من كده. هعيش الحياة اللي أنا عايزاها.
دخلت الأوضة، وغيرت ملابسي، وقعدت أفكر في الخطوات الجاية. مش هسمح لأي شخص كان يكون سبب في تدمير نفسي. لازم أكون أنا الأولى.
مر اليوم التالي ببطء، وكان فيه نوع من الصمت الساكن بيننا. هو ما تكلمش معايا زي أول مرة، وأنا كمان قررت أكون مشغولة عشان ما أفكرش كتير في الحكاية دي. عرفت من أول لحظة إني لو استسلمت للتفكير، هضيع وقتي في تضييع حياتي اللي كنت أظن إنها كانت موجهة لحاجة تانية.
لكن كان في شيء غريب. رغم الصمت بينا، كان في حاجة مش مفهومة. كان فيه نوع من الضغط في الجو، زي شيء ثقيل في الهواء. حاولت أكون مشغولة بأي حاجة، سواء شغل أو تنظيم في البيت، لكن أفكاري كانت ترجع ليه باستمرار. كل مرة كنت بحاول أبعد، كنت بشوفه في عقلي.
بدأت ألاحظ حاجة غريبة. هو مش بس مش مهتم بي، لكن كمان مش بيحاول يحسن الأمور. يمكن عشان هو شايف إن الوضع كويس زي ما هو. أنا مش قادرة أقبل كده. مش قادره أكون جزء من حياة مليانة جمود ولامبالاة. كانت البداية بسيطة، لكنه دلوقتي كان بيدفعني لحدود ما كنتش أتخيلها.
جاء اليوم التالي، وكان فيه قرار في بالي. لازم أكلم، لازم أحط حد للمواقف دي. ما ينفعش أكون في حالة من الصمت المستمر دي. لازم أبين له إني مش هتقبل الحياة دي بأي شكل. لما قررت أكلمه، حسيت بالقلق والارتباك، لكن في نفس الوقت كنت عارفة إني مش هقدر أعيش كده، سواء معاه أو لوحدي.
هو كان في الصالون زي ما هو دايمًا، بيشرب قهوته المفضلة. لقيت نفسي أتقدم خطوة خطوة، لحد ما وقفت قدامه. كان في عينيه ملامح مستفهمة، بس مش كفاية عشان يفهمني.
قلت له: "لازم نتكلم."
هو شافني للحظة، وبعد كده قال بصوت هادي: "إنتِ عايزة تقولي إيه؟"
رغم إني كنت عارفة إني هواجه مقاومة، بس قلت لنفسي: "مفيش وقت للتردد، لازم أقول كل شيء دلوقتي."
"أنا مش قادرة أعيش كده. مش قادرة أستمر وأنا حاسة إني مش جزء من حياتك. كان لازم نتفاهم من زمان عن كل حاجة. أنا مش هنا علشان أكون مجرد خلفية لحياتك."
أنا حاسه بحاجات ما كنتش حاسة بيها قبل كده، وفي لحظة، كل الكلمات اللي كنت بقولها بدأت تتساقط من فمي زي المطر، في صمت ثقيل.
هو نظر لي لفترة، وأعتقد إنه كان بيحاول يستوعب الكلام. وبعد شوية، قال: "أنا مش فاهم. إنتِ مش بتقولي إننا مش مبسوطين مع بعض؟ مش ده كل شيء لازم نعمله؟"
أنا حسيت إنه لسه مش فاهم، وإنه مش مستوعب أبعاد المشكلة اللي بمر بيها. لقيت نفسي أجاوب: "ما فيش سعادة حقيقية لو كل واحد فينا بيعيش في عالمه الخاص. الحياة مش بس إننا نكون موجودين جنب بعض. لازم نكون حقيقيين مع بعض. لازم نتشارك."
هو مش رد، بس كانت في عيناه علامات استغراب ودهشة. ما كانتش نظرة من راجل فاهم، كانت نظرة من شخص عايش في فقاعة ولا عارف يكسرها. وكل شيء فيه كان غريب عليَّ. مش عايزة أقول إني متأكدة إن الحل موجود، لكن في اللحظة دي، كنت حسه إني مش قادرة أعيش في غموض أكتر من كده.
قلت: "أنا محتاجة فترة من الوقت، علشان أقدر أقرر إزاي أكمل."
هو بص لي وقال: "إذا كنتِ حاسة إنك محتاجة وقت، خلاص خدي راحتك. بس لازم تفكري في القرار ده كويس."
واكتشفت إن المرة دي مش زي كل مرة. المرة دي، أنا مش هكون الشخص اللي هيتأثر بكلامه. قررت أكون قويّة، مهما كان الوضع.
اللي مكنتش قادرة أفهمه إنه كان بيعتقد إن الوقت والمكان هما الحل، لكن كان المفروض إنه يعرف إن المشكلة مش في الوقت، المشكلة في الطريقة اللي بنتعامل بيها مع بعض. كان لازم يفهم إن مش كل حاجة ممكن تتصلح بالكلمات. في النهاية، لازم في ناس بتحتاج تغيير حقيقي في العلاقة، مش بس كلام.
في اليوم اللي بعد كده، فضلت لوحدي فحاولت أركز على الأمور اللي كان عندي فيه خلل. كان في قرارات مفصلية لازم أتخذها. قد تكون بداية جديدة أو نهاية. الوقت اللي قضيناه مع بعض بيقول لي إني محتاجة أكون أكثر حكمًا، مش أكثر من أي وقت مضى.
لكن عندي أمل في التغيير، حتى لو بدأ صغير، بس لو بدأت بيه هقدر أكمل الطريق.