الزواج من أجل الأمل
في إحدى الجامعات الواقعة في شمال المملكة، قرر مجموعة من الطلاب التسجيل فيها نظرًا لسهولة الدراسة مقارنة بجامعتهم في مدينتهم الأصلية. استقروا في قرية صغيرة قريبة من الجامعة، وأصبحوا يتنقلون بين الجامعة وقريتهم الجديدة، ثم يعودون إلى مدنهم في نهاية كل أسبوع لزيارة عائلاتهم.
كان من بين هؤلاء الطلاب شاب طموح، يمتاز بحس إنساني مرهف، وكان دائمًا ما يهتم بشؤون من حوله. أثناء إحدى جولاته داخل القرية، لفت انتباهه مشهد متكرر: امرأة عجوز، تتجه كل صباح لرعي أغنامها، ثم تعود إلى منزلها المتواضع في المساء. أثار المشهد تعاطفه، فسأل أهل القرية عنها. أخبروه أنها تعيش وحيدة منذ سنوات طويلة، بلا أهل ولا أبناء، تقضي أيامها بين رعي الأغنام والعودة إلى كوخها الصغير.
أحس الشاب بشيء غريب تجاهها، لم يكن مجرد شفقة، بل كان فضولًا ممزوجًا برغبة في مساعدتها. قرر أن يتحدث معها في يوم من الأيام. عندما اقترب منها، ألقى عليها التحية فردت عليه بصوت هادئ، يحمل نبرة من الوحدة العميقة. بدأ معها حديثًا بسيطًا، سألها عن أحوالها، فأخبرته بأنها وحيدة تمامًا، وأن كل ما تريده في هذه الدنيا هو زيارة الحرم المكي وأداء العمرة والحج، لكنها لا تستطيع لأنها بلا محرم.
عاد الشاب إلى منزله في ذلك اليوم وعقله مشغول بأمر العجوز. كان يدرك أنه لا يستطيع تغيير حياتها بالكامل، لكنه يستطيع تحقيق أمنيتها الوحيدة. فجأة خطرت في باله فكرة جريئة، ربما لم يسبقه إليها أحد. لماذا لا يتزوج العجوز، ولو مؤقتًا، حتى يتمكن من السفر معها إلى مكة والمدينة؟ وبعدها يمكنه تطليقها بكل بساطة.
استشار أحد المشايخ، الذي أبدى إعجابه بالنية الطيبة للشاب، لكنه نصحه بأن يكون صادقًا مع العجوز وألا يخدعها. عندما عرض الشاب الفكرة على العجوز، تفاجأت في البداية، لكنها سرعان ما وافقت، إذ لم يكن لديها شيء تخسره، وكان تحقيق حلمها يستحق كل شيء.
تم الزواج بسرعة، وسافر الشاب مع العجوز إلى مكة. كانت العجوز في قمة السعادة، دموعها لا تفارق عينيها، ولسانها لا يكف عن الدعاء. أدت العمرة وأتمت الحج، وعند العودة قال لها الشاب:
"لقد انتهت مهمتي، وأعتقد أن الوقت قد حان لأطلقك كما اتفقنا."
نظرت إليه بحزن وقالت: "ابقني على ذمتك، لا أطلب منك شيئًا، فقط لا تطلقني. عِش حياتك كما تشاء، لا أريد منك سوى أن أبقى زوجتك ولو اسمًا."
شعر الشاب بداخل قلبه بحرارة غريبة، شيء لم يستطع تفسيره، لكنه وافق. عاد إلى مدينته ولم يعد إلى القرية مطلقًا، لكنه ترك العجوز على ذمته، كما طلبت.
الجزء الثاني: المفاجأة التي غيرت كل شيء
مرت السنوات، وأصبحت هذه القصة طي النسيان بالنسبة له. في أحد الأيام، كان جالسًا مع أصدقائه في مجلس شبابي، حيث بدأوا بممازحته بشأن زواجه الغريب من تلك العجوز، وسألوه عنها إن كانت لا تزال على ذمته. ضحك مجاملةً لهم، لكنه شعر بوخزة غريبة في قلبه، فقد نسي أمرها تمامًا، ولم يعد يعرف عنها شيئًا.
عاد إلى غرفته تلك الليلة وهو يفكر، شيء ما دفعه لاتخاذ قرار مفاجئ: لماذا لا يذهب إلى القرية ويرى ما حل بها؟ ربما تحتاج إلى مساعدة، أو ربما...
في صباح اليوم التالي، ركب سيارته وانطلق نحو القرية. عند وصوله، لاحظ نظرات الدهشة في عيون أهل القرية. اقترب من أحدهم وسأله عنها، لكنه لم يكن مستعدًا لما سمعه: "لقد توفيت منذ أشهر."
وقف الشاب مشدوهًا، لم يستطع استيعاب الكلمات. لم يكن يتوقع أن ترحل هكذا دون أن يعرف، دون أن يودعها. بضحكات ساخرة، قال له بعض أهل القرية: "لقد تركت لك ميراثًا، يمكنك الذهاب إلى منزلها المتواضع وأخذ ما تبقى من أغراضها."
توجه الشاب إلى منزلها، كان قلبه يخفق بشدة، كأن هناك شيئًا غامضًا ينتظره. عندما دخل، وجد المكان كما هو، رائحة العجوز ما زالت تعبق في الأرجاء. نظر حوله، فوجد صندوقًا خشبيًا صغيرًا على الطاولة. مد يده وفتحه، فوجد داخله مغلفًا وبداخله رسالة قديمة مكتوبة بخط مرتجف:
"ابني العزيز، أعلم أنك لم تتزوجني بدافع الحب، وأعلم أنك كنت فقط تريد مساعدتي. لكن ما لم تكن تعلمه هو أنني لم أكن وحيدة كما ظننت، كان لي ابن في مثل عمرك تمامًا، لكنه توفي في حادث منذ سنوات، وتركني وحيدة في هذه الدنيا. عندما أتيت إليّ، رأيت فيك ملامحه، أحسست أن الله أرسل إليّ ابني من جديد، ولو كان لوقت قصير. لم أكن أريد أن أخسرك كما خسرته، لذلك طلبت منك ألا تطلقني. شكرًا لأنك منحتني أجمل أيام حياتي."
انهارت دموع الشاب بغزارة، شعر بألم لم يشعر به من قبل. لم يكن يدرك أنه كان أكثر من مجرد منقذ لها، لقد كان فرصة جديدة للحب والأمل في حياة امرأة حرمت من كل شيء. لكنه أدرك ذلك متأخرًا... متأخرًا جدًا.